على مدار العام الماضي، قامت إسرائيل بتصفية قادة حماس واحدًا تلو الآخر – حيث أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال، أول أمس أن الجناح العسكري للجماعة الإرهابية “هُزم”، إلا أن هدفها الأكثر طلبًا لا يزال طليقًا – العقل المدبر لعملية طوفان الأقصى يحيى السنوار.
ظل زعيم حركة حماس، بعيد المنال طيلة الحرب التي استمرت عامًا، ولم تظهر له سوى لمحة خاطفة في مقطع فيديو، تم تصويره بعد يومين فقط من بدء الصراع الدامي، والتي كشف عنها قوات الاحتلال من خلال صور بالأبيض والأسود، الإسرائيلي خلال مداهمة في وقت سابق من هذا العام، رجلاً يُعتقد أنه السنوار وهو يشق طريقه عبر نفق برفقة زوجته وثلاثة أطفال، بينما يحمل حقيبة كبيرة.
في تلك الحقيبة حوالي 25 كيلوغرامًا من الديناميت، وحوله ما لا يقل عن 20 رهينة، ويقول كوبي مايكل المحقق السابق مع السنوار في جهاز الأمن الداخلي (شين بيت): “لقد أتيحت لنا الفرصة عدة مرات لقتله، ولكن إذا فعلنا ذلك، فسوف يقتل جميع الرهائن من حوله”.
ويزعم جيش الاحتلال أنه ضرب أكثر من 40 ألف هدف، ووجد 4700 فتحة نفق ودمر 1000 موقع لإطلاق الصواريخ خلال قصفه المستمر للقطاع لمدة عام.
ونقل أشخاص على اتصال بالسنوار، أنه غير نادم على عملية طوفان الأقصى أكتوبر الماضي، على الرغم من إطلاق العنان لغزو إسرائيلي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
وتضم قائمة قادة حماس الذين قتلوا في الأشهر التي تلت ذلك محمد ضيف، رئيس كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، الذي قُتل في غارة جوية على غزة، كما اغتيل صالح العاروري، أحد القادة المؤسسين لكتائب القسام، في انفجار في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي معقل لحزب الله، حليف حماس وجزء من “محور المقاومة” الإيراني.
وفي يوليو، تم تفجير المقر الذي حل به زعيم الجناح السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في أثناء زيارته لطهران لحضور تنصيب الرئيس الإيراني، على يد إسرائيلـ، ليعين السنوار البالغ من العمر 62 عاما، زعيما لحماس يعد اغتيال هنية.
ويضيف مايكل لصحيفة التايمز: “يحيى السنوار لن يستسلم أبدًا. إنه يحلم بالبقاء كزعيم لحماس في غزة، وهو يفكر الآن في المذبحة التالية، يجب قتل هذا الرجل”.
وقالت مصادر إسرائيلية إن السنوار وشقيقه، وهو أيضًا قائد كبير، نجحا حتى الآن في التهرب من الغارات الجوية، من خلال العمل من تحت ظلال شبكة من الأنفاق المتعرجة تحت غزة، و يتحرك السنوار باستمرار لتجنب الكشف عنه ويستخدم رسلاً موثوقين للتواصل غير الرقمي-بحسب مسئولين في حماس.
كان المفاوضون ينتظرون أياماً؛ للحصول على ردود يتم تصفيتها من خلال سلسلة سرية من الرسل.
وفي الشهر الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأن السنوار قُتل في غارة جوية إسرائيلية، لكن لم يتم تأكيدها ونفت مصادر استخباراتية هذه المزاعم، كما نقل الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت عن مصادر قوله: “كانت هناك أوقات في الماضي عندما اختفى واعتقدنا أنه مات، لكنه ظهر مرة أخرى”.
فيما انتشرت تقارير ديسمبر الماضي، تفيد بأن السنوار ربما قُتل أو جُرح أو ربما فر إلى سيناء في مصر، وتبين فيما بعد أنه كان خارج نطاق الاتصال بمرؤوسيه كجزء من تكتيكاته للاختباء.
وُلِد السنوار في مخيم خان يونس للاجئين بغزة عام 1962 وانضم إلى حماس بعد فترة وجيزة من تأسيسها في الثمانينيات، وكرس نفسه لأيديولوجيتها الإسلامية، التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في فلسطين التاريخية وتعارض وجود إسرائيل.
وأصبح تلميذًا للشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس، عندما كان شابًا، واعتقلته إسرائيل لأول مرة عام 1982 عندما كان طالبًا في الجامعة الإسلامية في غزة، واكتسب في السجن سمعة مخيفة كمنفذ لا يرحم، يقتل المتعاونين الإسرائيليين المشتبه بهم، وحصل على لقب جزار خان يونس.
يقول الأشخاص الذين يعرفون السنوار إن عزيمته تشكلت من خلال طفولته الفقيرة، وعقدين وحشيين قضاهما في الاحتجاز الإسرائيلي، بما في ذلك فترة في عسقلان، المدينة التي أطلق عليها والداه اسم الوطن قبل فرارهما بعد حرب 1948 العربية الإسرائيلية.
وقالت المصادر إن مسألة الرهائن وتبادل الأسرى شخصية للغاية بالنسبة له، وقد تعهد بإطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل.
على مدار أشهر من محادثات وقف إطلاق النار الفاشلة، بقيادة قطر ومصر، والتي ركزت على تبادل الأسرى بالرهائن، كان السنوار صانع القرار الوحيد، وفقًا لثلاثة مصادر في حماس.
الزعيم النحيف ذو الشعر الرمادي، هو أحد أكثر عناصر حماس تشددًا، وعازم على مواصلة القتال ضد إسرائيل، ويعد القضاء عليه من بين أولويات جيش الاحتلال القصوى.
وقال المقدم ريتشارد هيشت، المتحدث باسم جيش الاحتلال، في الأيام التي أعقبت الهجوم: “يحيى السنوار هو وجه الشر، إنه العقل المدبر وراء هذا، مثل بن لادن، لقد بنى حياته المهنية على قتل الفلسطينيين عندما فهم أنهم متعاونون، وهكذا أصبح معروفًا باسم جزار خان يونس”.
وتعهد هيشت بأن القوات الإسرائيلية لن ترتاح حتى يتم العثور عليه وقتله، واصفا إياه “رجل ميت يمشي”.
وقال إيهود يعاري، 79 عامًا، وهو صحفي إسرائيلي يدعي أنه كان على اتصال بالسنوار عبر وسطاء حتى بضعة أشهر مضت، إن إسرائيل “مترددة للغاية” في قتل زعيم حماس، بسبب استخدامه للرهائن كدروع بشرية.
لا شك أن اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصر الله باستخدام قنابل خارقة للتحصينات من صنع الولايات المتحدة، والتي تخترق عمق أهدافها قبل أن تنفجر، من شأنه أن يقتل أي رهائن حول السنوار وكذلك الهدف نفسه.
وتابع يعاري: “هل سنحت لهم الفرصة؟ نعم. ولكن من سيعطي الأمر؟ لا أعرف أي زعيم إسرائيلي من شأنه أن يقر قصف السنوار عندما يكون هناك رهائن إسرائيليون حوله”.
لقد سمحت تكتيكات السنوار له بالتهرب سنوات، وأضيف إلى القائمة الأمريكية لأكثر “الإرهابيين الدوليين” المطلوبين في عام 2015، وكان يتلذذ بالسخرية من إسرائيل وحليفتها.
وفي عرض للتحدي قبل عامين، أنهى أحد خطاباته العامة القليلة بدعوة إسرائيل لاغتياله، معلناً: “سأعود إلى المنزل بعد هذا الاجتماع”. ثم فعل ذلك، وصافح الناس والتقط صوراً شخصية معهم في الشوارع.