اعتلى دونالد ترامب المسرح ليلة الخميس الماضي، في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، مثل البطل الفاتح، بعد أن خدع الموت، وترك خصومه الديمقراطيون يمزقون أنفسهم، في حين احتشد الموالون له الذين يشغلون صفوف حزبه الآن، وهللوا بحماس طيلة خطابه الذي استمر ساعة ونصف.
وتعهد “ترامب”، بخدمة جميع الأميركيين إذا تم انتخابه، وقال: “إنني أقف أمامكم في هذه الساحة بفضل الله عز وجل، وعلى مدى الأيام القليلة الماضية”، ثم تحدث عن سقوطه على الأرض بينما كان الرصاص يتطاير حوله وكيف ظهر الحزن الشديد على وجوه أنصاره، حتى أن بعض المندوبين ارتدوا ضمادات على آذانهم اليمنى تكريماً له.
وأشار أداء ترامب إلى أنه على الرغم من كل الحديث عن رجل تغير بعد محاولة اغتياله، فإن الرئيس السابق لا يزال يميل إلى الانحراف عن النص، حتى في أكثر المناسبات أهمية.
والسؤال الذي قد يتساءله العديد من الأميركيين الآن، هو أي نسخة من ترامب ستقود البلاد في حال فوزه على الديمقراطي جو بايدن في نوفمبر، وبالنظر إلى الأيام الأربعة الماضية تظهر بعض الأدلة.
على الرغم من أنه قد يكون ضعيفًا، لا يزال يمثل تتويجًا لمرحلة رائعة للرئيس السابق ترامب، بدءًا من الأداء الكارثي للرئيس جو بايدن في المناظرة الرئاسية، في أتلانتا قبل ثلاثة أسابيع والذي أدى إلى انتفاضه في حزبه الديمقراطي.
منذ ذلك الحين، قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بأن ترامب يتمتع بحصانة واسعة من الملاحقة الجنائية، وأجّل أحد القضاة الحكم على إدانته في نيويورك في قضية أموال سرية، ورفض قاض آخر القضية المرفوعة ضده بالكامل بسبب سوء التعامل مع وثائق الأمن القومي.
وأدت محاولة اغتياله على يد مسلح يبلغ من العمر 20 عامًا إلى ترك وجه ترامب ملطخًا بالدماء، والتي أصبحت صورة أيقونية تم وضعها على القمصان واللافتات في المؤتمر، ما جعله يشعر وأنصاره عند لقائهم في ميلووكي بأن وقتهم قد حان، وأنهم قوة موحدة ستعيد الأمة إلى عظمتها.
يوم الثلاثاء، روت السكرتيرة الصحفية السابقة للبيت الأبيض، سارة هاكابي ساندرز، أن ترامب كان يعانق ابنها الصغير في البيت الأبيض بينما وصفت لارا ترامب والد زوجها بأنه رائع، وفي وقت سابق من ذلك المساء، كانت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي، التي كانت واحدة من أشد منتقدي ترامب في الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الجمهوري لعام 2024، تحث الناخبين الذين لا يدعمون ترامب بنسبة 100% على دعم إعادة انتخابه.
وتميزت ولاية ترامب الأولى في منصبه بانقسامات سياسية حادة داخل المجتمع الأمريكي، وفي اليوم التالي لتنصيبه، سار الملايين في شوارع واشنطن احتجاجًا.
كما تسببت محاولاته لحظر مواطني قائمة الدول ذات الأغلبية المسلمة، في حدوث فوضى في المطارات الأمريكية في وقت مبكر من رئاسته، وأدت القيود الحدودية التي تم تنفيذها لاحقًا إلى احتجاجات حول بكاء الأطفال المنفصلين عن والديهم في مراكز الاحتجاز.
وانتهت السنوات الأربع التي قضاها ترامب في منصبه برفضه قبول هزيمته في الانتخابات الرئاسية، وهو الإنكار الذي بلغ ذروته في أعمال الشغب التي اندلعت في السادس من يناير، في مبنى الكابيتول الأمريكي، حيث حاول الآلاف من أنصاره منع التصديق على انتصارات الرئيس بايدن.
وندد به الكثيرون في حزبه، وواجه عزلًا ثانيًا من قبل مجلس النواب، وعلى الرغم من تبرئته في محاكمة بمجلس الشيوخ، إلا أن سبعة جمهوريين انشقوا عن صفوفه وصوتوا لصالح إدانته، وبعد ترك منصبه، تم توجيه الاتهام للرئيس السابق أربع مرات، وأدانته محكمة مدنية بالاعتداء الجنسي وأدين بالاحتيال.
ولكن كانت الرسالة المهيمنة من الجمهوريين هذا الأسبوع، هي أن هذه الانقسامات والانحرافات أصبحت أشياء من الماضي، وأن ترامب الذي تراه أمريكا اليوم ليس هو الشخص الذي قد يتذكرونه منذ ولايته الأولى في البيت الأبيض.
وإذا وافقت بقية الأمة، فإن ذلك سوف يمثل قصة عودة رائعة، أو عملاً جماعياً من فقدان الذاكرة السياسية، اعتماداً على وجهة نظر كل فرد.
أما بالنسبة لتلك السياسات والمقترحات، فلم يقدم المؤتمر الجمهوري سوى القليل من التفاصيل، وكان موضوع الليالي الثلاث الأولى من المؤتمر، هو الاقتصاد والسلامة والسياسة الخارجية، لقد شكلوا إطارًا لخطاب قبول الرئيس السابق، ويقدمون دليلاً مفيدًا للنقاط الرئيسية التي يسعى الحزب للتأكيد عليها في الحملة المقبلة.
وبينما ذكر ترامب الرئيس بايدن بالاسم مرة واحدة فقط، فقد أشار إلى أن “هذه الإدارة” كانت تشرف على ارتفاع التضخم (الذي تراجع الآن)، مع العلم أن المخاوف الاقتصادية هي أساس محاولات الإطاحة بصاحب المنصب الحالي.
وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين يفضلون الآن خفض مستويات الهجرة، ويدعمون دعوة ترامب لإبعاد الملايين من المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في الولايات المتحدة، خلال خطاب حاكم تكساس لوح بعض الحاضرين في المؤتمر بلافتات مطبوعة مسبقًا كتب عليها “الترحيل الجماعي الآن”.
وكانت الصراعات الخارجية إحدى القضايا التي استخدمها الجمهوريين ضد بايدن، حيث اعتلت عائلات ستة من أصل 13 جنديًا أمريكيًا، قتلوا في انفجار سيارة مفخخة خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021 المنصة؛ لإلقاء اللوم على الرئيس الحالي في الوفيات والادعاء بأن الرئيس لم يكن مناسبًا لقيادة جيش البلاد.
وقال ترامب في كلمته: “بانتصارنا في نوفمبر، ستنتهي سنوات الحرب والضعف والفوضى”.
على سبيل المثال، استضافت مؤسسة التراث، وهي مؤسسة فكرية محافظة، يوم الاثنين، مسؤولون سابقون في إدارة ترامب والسياسيون الجمهوريون، الذين عرضوا وجهات نظرهم حول موضوعات مثل السياسة الخارجية والتعليم والهجرة والاقتصاد والطاقة.
وكان زميل ترامب الجديد لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، الذي وضع المبادئ الأساسية لهذا الحزب الجمهوري الجديد، الذي يهيمن عليه ترامب في خطاب قبول ترشيحه، قد صرح بالقول: “لن نستورد العمالة الأجنبية، بل سنناضل من أجل المواطنين الأميركيين، لن نشتري الطاقة من الدول التي تكرهنا، بل سنحصل عليها هنا مباشرة من العمال الأمريكيين”.
وأضاف: “لن نضحي بسلاسل التوريد الخاصة بنا من أجل تجارة عالمية غير محدودة، وسنختم كل منتج بعبارة صنع في الولايات المتحدة الأمريكية”.
كانت الاحتفالات السياسية في ميلووكي ترامبية من البداية إلى النهاية، تعمل على الترويج لبنود جدول أعمال الحزب، وتركز الانتقادات على الرئيس جو بايدن، ولكن ماذا لو كان الجمهوريون يلاحقون الرجل الخطأ؟ ودعا عدد متزايد من الديمقراطيين إلى استبدال بايدن كمرشحهم الرئاسي، وتتزايد التكهنات بأنه قد يستمع بالفعل.
لن ينعقد المؤتمر الديمقراطي قبل نهاية أغسطس، مما يترك الوقت للرئيس للتنحي إما لمنصب نائبته، كامالا هاريس، أو لعملية مفتوحة لاختيار مرشح آخر.
ومساء الخميس، سعت حملة ترامب لإبراز قوة مرشحهم وحيويته، وكانت نية الحملة واضحة، وهي المقارنة مع ضعف بايدن الملحوظ واستهداف الناخبين الذكور الأصغر سنا.
قد تكون هذه الاستراتيجية أقل فعالية ضد هاريس أو أحد الحكام الديمقراطيين الأصغر سنا، الذين تم ذكرهم كخلفاء محتملين لبايدن، لكن في الوقت الحالي، يبدو الجمهوريون متفائلين بشأن فوزهم في نوفمبر، مقتنعين بأن سلسلة الحظ الجيد للرئيس السابق قد بدأت للتو.